الاثنين، 6 يونيو 2011

تاريخ الاضطرابات النفسية

الحضارات القديمة
وصفت الحضارات القديمة عددًا من الاضطرابات النفسية وعالجتها. فقد صاغ الإغريق مصطلحات لاضطرابات نفسية، مثل السوداوية والهستيريا والفوبيا وأسسوا نظرية الأخلاط. وقد تم وضع النظريات النفسية وطرق العلاج في بلاد فارس (إيران حاليًا) والجزيرة العربية والدولة الإسلامية، وخاصةً في العالم الإسلامي في القرون الوسطى من القرن الثامن؛ حيث تم بناء مستشفيات الأمراض النفسية لأول مرة.

 أوروبا

 العصور الوسطى

كانت المفاهيم الخاصة بالجنون في العصور الوسطى في أوروبا المسيحية عبارة عن خليط من الاعتبارات القدسية والشيطانية والسحرية والخلطية، بالإضافة إلى اعتبارات أخرى أكثر واقعية. وفي وقت مبكر من العصر الحديث، ربما كان بعض الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات نفسية ضحايا للاضطهاد والمضايقة، ولكن كان كثيرًا ما يتم إدخالهم إلى إصلاحيات محلية وسجون أو أحيانًا إلى مستشفيات أمراض نفسية وعصبية خاصة. جدير بالذكر أن العديد من المصطلحات الخاصة بالاضطرابات النفسية التي وجدت طريقها في الاستخدام اليومي أصبحت شائعة لأول مرة في القرن السادس عشر والقرن السابع عشر.

 القرن الثامن عشر

بحلول نهاية القرن السابع عشر ودخول عصر التنوير، تغيرت نظرة المجتمع إلى الجنون وأصبح يُنظر إليه على أنه ظاهرة فيزيائية عضوية ليس له علاقة بالروح أو المسئولية الأخلاقية. وكثيرًا ما اتسم أسلوب رعاية المرضى في مصحات الأمراض العقلية بالقسوة وكان يتم معاملة المرضى على أنهم حيوانات وحشية، ولكن مع اقتراب نهاية القرن الثامن عشر، ظهرت تدريجيًا حركة العلاج الأخلاقي. وقد يكون من النادر الحصول على توصيفات واضحة لبعض المتلأزمات قبل العقد الأول من القرن التاسع عشر.

 القرن التاسع عشر

أدت ازدهار حركة التصنيع وزيادة النمو السكاني إلى زيادة هائلة في أعداد وأحجام مصحات الأمراض العقلية في كل الدول الغربية في القرن التاسع عشر. وتم وضع العديد من نظم التصنيف المختلفة والمصطلحات التشخيصية من قبِل جهات مختلفة، كما تم ابتكار مصطلح الطب النفسي، ومع ذلك فإن كبار الأطباء كانوا ما زالوا يعرفون باسم أطباء علاج المجانين.

 القرن العشرين

شهد مطلع القرن العشرين قدوم التحليل النفسي، الذي سيحتل مكانة كبيرة في وقت لاحق، إلى جانب نظام تصنيف "كريبلين". وكان يشار إلى "نزلاء" مصحات الأمراض العقلية بكثرة باسم "المرضى"، كما أصبح يطلق على المصحات العقلية اسم مستشفيات الأمراض النفسية والعقلية.

 أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية

في القرن العشرين، ظهرت في الولايات المتحدة الأمريكية حركة الصحة النفسية وكان هدفها الوقاية من الاضطرابات النفسية. وقد أصبح علم النفس الإكلينيكي والخدمة الاجتماعية مجالات يتخصص فيها أشخاص ويعملون بها. كما شهدت الحرب العالمية الأولى زيادة هائلة في أعداد الحالات التي أصبحت تعرف باسم "صدمة القنابل".
بينما شهدت الحرب العالمية الثانية وضع دليل نفسي من أجل تصنيف الاضطرابات النفسية والذي أدى إلى وضع الدليل التشخيصي والإحصائي الأول للاضطرابات النفسية إلى جانب النظم القائمة لجمع الإحصاءات وبيانات المستشفى. وقد حذا التصنيف الدولي للأمراض حذو الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية، ولكنه اشتمل أيضًا على جزء يتناول الاضطرابات النفسية. ونظرًا لأن مصطلح الإجهاد نشأ عن أبحاث أمراض الغدد الصماء في الثلاثينيات من القرن العشرين، فقد تم استخدامه بكثرة في تشخيص الاضطرابات النفسية.

العلاج بصدمة الإنسولين
بدأ استخدام العلاج بالصدمات الكهربائية والعلاج بصدمة الإنسولين والجراحة الفصية ودواء الكلوربرومازين المضاد للذهان بحلول منتصف القرن العشرين. كذلك، بدأت تنشط الحركة المناهضة للعلاج النفسي في الستينيات من القرن العشرين. وحدثت تدريجيًا حركة التحرر من المؤسسات في الغرب مع غلق مستشفيات الأمراض النفسية المعزولة لصالح خدمات الصحة النفسية المجتمعية. واكتسبت حركة مناصري الطب النفسي من المرضى النفسيين السابقين قوة دافعة كبيرة. وبدأ تدريجيًا استخدام أنواع أخرى من الأدوية النفسية، مثل "المقوي النفسي" والليثيوم. وانتشر استخدام أدوية البنزوديازيبينات في فترة السبعينيات كأدوية مضادة للقلق والاكتئاب حتى قلصت مشاكل إدمانها شعبيتها.
أدى التقدم في علم الأعصاب وعلم الوراثة إلى وضع أجندات بحث جديدة. وظهر ما يعرف باسم العلاج السلوكي المعرفي. وتبنى الدليل التشخيصي والإحصائي للأمراض النفسية والتصنيف الدولي للأمراض تصنيفات تعتمد على معايير جديدة، كما شهد عدد التشخيصات "الرسمية" زيادة كبيرة. خلال فترة التسعينيات من القرن العشرين، أصبحت مضادات الاكتئاب المثبطة لاسترجاع السيروتونين الجديدة بعض أكثر الأدوية التي يصفها الأطباء في العالم. علاوةً على أنه خلال فترة التسعينيات تم تطوير نموذج للإنعاش والتحسين.

 المجتمع والثقافة

Self.svg
يمكن ألا تتفق المجتمعات أو الثقافات المختلفة وحتى الأفراد المختلفين في الثقافة ذاتها بشأن تحديد العوامل التي تؤدي إلى الوضع الأمثل من الناحية الباثولوجية والبيولوجية والنفسية. وقد أثبتت الأبحاث أن الثقافات تختلف فيما بينها في الأهمية النسبية التي توليها لبعض المفاهيم، مثلاً، السعادة أو الاستقلال الذاتي أو العلاقات الاجتماعية لتحقيق البهجة والسرور. وبالمثل، فإن حقيقة أن نمط سلوكي معين موضع تقدير أو مقبول أو يتم تشجيعه أو حتى معياري من الناحية الإحصائية في ثقافة معينة لا يعني بالضرورة أنه يفضي إلى الوضع النفسي الأمثل.
إن الأفراد في جميع الثقافات يجدون بعض السلوكيات غريبة أو حتى غير مفهومة. ولكن هذه الرؤية في حد ذاتها غامضة وتعتمد على رؤية كل فرد. ويمكن أن تصبح هذه الاختلافات في تحديد نمط السلوك مثيرة للجدل بدرجة كبيرة.
إن العملية التي يتم من خلالها تحديد الحالات والمشاكل التي سيتم تعريفها وعلاجها كحالات مرضية ومشاكل طبية، ومن ثم تصبح تحت إشراف الأطباء أو إخصائيي الرعاية الصحية الآخرين، تعرف باسم التطبيب.
في الأبحاث العلمية والأكاديمية التي تتناول تعريف أو تصنيف الاضطراب النفسي، هناك فريق يرى أن الأمر برمته مسألة أحكام تقديرية (بما في ذلك تعريف السلوك السوي)، بينما ذهب فريق آخر إلى أنها - أو ربما تكون - مسألة موضوعية وعلمية (والتي تتضمن الإشارة إلى المعايير الإحصائية). توجد آراء متضاربة شائعة حول كون مفهوم الاضطراب النفسي هو مفهوم موضوعي، ولكنه "نموذج غامض" لا يمكن تعريفه بدقة أبدًا، أو بدلاً من ذلك أنه لا بد أن يشتمل على مزيج من الحقائق العلمية والأحكام التقديرية الذاتية.

نظرة المجتمع للمريض النفسي


الوصمة الاجتماعية
إن الوصمة الاجتماعية المرتبطة بالاضطرابات النفسية مشكلة واسعة الانتشار. يعتقد بعض الناس أن هؤلاء الأفراد الذين يعانون من أمراض نفسية أو عقلية خطيرة لا يمكن شفاؤهم أو هم المسئولون عن المشاكل النفسية التي يعانون منها. وقد قال كبير الأطباء بالولايات المتحدة الأمريكية في عام 1999: "إن الوصمة الاجتماعية وما لها من قوة تمنع الناس من الاعتراف لأنفسهم بمشاكل الصحة النفسية التي يعانون منها، ناهيك عن الكشف عنها للآخرين." وقد تم الإعلان عن أن التمييز الوظيفي يلعب دورًا مهمًا في ارتفاع معدلات البطالة بين هؤلاء الأشخاص الذين تم تشخيص حالتهم بأنهم يعانون من مرض نفسي.
ولذلك، تبذل جهود حثيثة على مستوى العالم للقضاء على الوصمة الاجتماعية للمرض النفسي، ذلك على الرغم من أن الأساليب والنتائج التي تقوم بها هذه الجهات تعرضت للنقد في بعض الأحيان.
كشفت دراسة أجراها الباحثون في جامعة بايلور الأمريكية أن رجال الدين في الولايات المتحدة الأمريكية كثيرًا ما ينكرون أو يرفضون فكرة وجود مرض نفسي. وقد وجدت الدراسة أن أكثر من 32% من أعضاء الكنيسة المسيحية البالغ عددهم 293 عضوًا أخبرهم القس أنهم هم وأحباءهم لا يعانون حقًا من مرض نفسي وأن سبب مشكلتهم روحاني بطبيعته، مثل الخطيئة أو ضعف الإيمان أو تأثير الشيطان. ووجد الباحثون أيضًا أن النساء كانت أكثر عرضة من الرجال للحصول على هذه الإجابة من رجال الدين. جدير بالذكر أن جميع المشاركين في الدراسة كان قد تم تشخيص حالتهم سابقًا من قبِل مقدم خدمات صحة نفسية معتمد على أنهم يعانون من مرض نفسي خطير ومع ذلك، فإن هناك بحثًا آخر يشير إلى أن الأفراد الذين يعانون من أمراض نفسية كثيرًا ما يحصلون على المساعدة من الأسر الممتدة والزعماء الدينيين المؤازرين الذين يستمعون إليهم بكل حنان واحترام، وهو ما يمكن أن يتعارض مع الممارسة المعتادة المتبعة في تشخيص الأمراض النفسية وعلاجها.
وسائل الإعلام والعامة
تشتمل التغطية الإعلامية للمرض النفسي على مشاهد سلبية في الغالب، على سبيل المثال، صور تدل على عدم الكفاءة أو العنف أو الإجرام، مع تغطية أقل بكثير للقضايا الإيجابية، مثل الإنجازات التي يحققها المرضى النفسيون أو قضايا حقوق الإنسان. إن مثل هذه المشاهد السلبية، حتى في أفلام الرسوم المتحركة للأطفال، يُعتقد أنها تساهم في الوصمة الاجتماعية والمواقف السلبية لدى الجمهور ولدى هؤلاء الأفراد الذين يعانون من مشاكل صحة نفسية، ذلك على الرغم من انتشار العروض السينمائية الجادة أو الأكثر إدراكًا لمشاكل هذه الفئة من المجتمع.
في الولايات المتحدة الأمريكية، منح مركز كارتر عضويات للصحفيين في جنوب إفريقيا والولايات المتحدة الأمريكية ورومانيا لكي يتمكن المراسلون الصحفيون من البحث وكتابة مقالات عن موضوعات الصحة النفسية. وكان هدف السيدة الأولى في أمريكا السابقة روزالين كارتر من منح هذه العضوية ليس فقط تدريب المراسلين الصحفيين على كيفية مناقشة قضايا الصحة النفسية والمرض النفسي بشكل صحيح وبطريقة يراعى فيها مشاعر هؤلاء الأشخاص، وإنما أيضًا لزيادة عدد القصص التي تتناول هذه الموضوعات في وسائل الإعلام. وهناك اليوم العالمي للصحة النفسية الذي يكون ضمن أسبوع التوعية بالمرض النفسي والذي تقيمه الولايات المتحدة الأمريكية وكندا.
وقد ظهر أن عامة الناس لديهم صورة نمطية راسخة عن خطورة الأشخاص الذين يتم وصفهم على أنهم مختلون عقليًا والرغبة في البعد الاجتماعي عنهم. وكشف مسح علمي وطني في الولايات المتحدة الأمريكية عن أن نسبة من كبيرة من الناس تعتقد أن الأفراد الذين تظهر عليهم أعراض الاضطراب النفسي "من المحتمل أن يتصرفوا بعنف تجاه الآخرين"، وهي نسبة أكبر إذا ما قارنها بنسبة الناس الذين يعتبرون مثل هؤلاء الأفراد "مضطربين".
العنف
على الرغم من الرأي العام أو رأي وسائل الإعلام، فإن الدراسات الوطنية أشارت إلى أن المرض النفسي الحاد لا يعني بالضرورة صدور سلوك عنيف في المستقبل من المريض النفسي، كما أنه في المعتاد لا يشكل سببًا رئيسيًا من أسباب العنف في المجتمع. توجد علاقة إحصائية بين المرض النفسي والعوامل المختلفة التي ترتبط بالعنف (عندأي شخص)، مثل تعاطي المواد المخدرة بالإضافة إلى العديد من العوامل الشخصية والاجتماعية والاقتصادية.
في الواقع، تشير نتائج الأبحاث باستمرار إلى أن الأشخاص المصابين بمرض نفسي أو عقلي حاد ويعيشون في المجتمع سيكونون هم الضحايا لأعمال العنف لا مرتكبيها. وفي دراسة عن الأشخاص الذين تم تشخيص حالتهم على أنها "مرض نفسي حاد" ويعيشون في قلب المدن الأمريكية، أشارت النتائج إلى أن ربع هؤلاء كانوا ضحايا لجريمة عنف واحدة على الأقل على مدار عام، وهي نسبة أعلى 11 مرة من متوسط معدل الجرائم التي يتعرض لها الفرد في مراكز المدن وأعلى من كل فئات الجرائم، بما في ذلك الاعتداءات العنيفة والسرقة. ومع ذلك، فإن الأشخاص الذين يعانون من أمراض نفسية أو عقلية يمكن أن يجدوا صعوبة أكبر من غيرهم في ضمان إقامة دعاوى قضائية ضد من اعتدوا عليهم، ويرجع ذلك جزئيًا إلى التحيز ضدهم والنظر إليهم على أنهم أقل مصداقية وجدارة بالثقة. وعلى الرغم من ذلك، فإن هناك تشخيصات محددة، مثل اضطراب السلوك في الطفولة أو اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع عند الراشدين أو الاضطراب النفسي وهي اضطرابات تم تحديدها أو ربطها بالمشاكل السلوكية والعنف. توجد نتائج متضاربة حول مدى ارتباط أعراض معينة لاضطرابات بعينها بزيادة احتمالات حدوث أعمال عنف شديد في المتوسط. ومن أمثلة هذه الاضطرابات بعض أنواع الذهان (الهلاوس أو الأوهام) التي يمكن أن تحدث في صورة اضطرابات، مثل الفصام أو الاضطراب التوهمي أو اضطراب المزاج، وبالرغم من ذلك، فإنه قد وجد باستمرار أن أغلبية العوامل الوسيطة المؤدية لأعمال العنف تكون في الغالب عوامل اجتماعية-ديموغرافية واجتماعية-اقتصادية، مثل أن يكون الشخص صغير السن وذكر وأن تكون الحالة الاجتماعية والاقتصادية للفرد متدنية، وخاصةً، مع تعاطي المواد المخدرة (بما في ذلك إدمان الكحول)، وكلها عوامل يمكن أن يكون بعض الناس أكثر عرضة لها.
جدير بالذكر أن القضايا المهمة والمشهورة أدت إلى الخوف من أن الجرائم الخطيرة، مثل القتل، قد زادت بسبب التحرر من المؤسسات، ولكن الأدلة والبراهين لا تدعم هذا الاستنتاج. إن أعمال العنف التي تقع ولها علاقة بالاضطراب النفسي (ضد المختل عقليًا أو صادرة عن المختل عقليًا) تحدث عادةً في سياق التفاعلات الاجتماعية المعقدة، وكثيرًا ما تكون في محيط الأسرة وليس بين الغرباء. كما أن أعمال العنف تمثل مشكلة أيضًا في أماكن الرعاية الصحية والمجتمع بوجه عام.


معدلات انتشار الاضطرابات النفسية


تنتشر الإصابة بالاضطرابات النفسية في كل مكان على وجه الأرض. فعلى مستوى العالم، يعاني أكثر من شخص من بين كل ثلاثة أشخاص في معظم الدول من أحد أنواع الاضطرابات النفسية على الأقل في مرحلة ما من حياتهم. وفي الولايات المتحدة الأمريكية، يذكر أن %46 من الأمريكيين لديهم الاستعداد للإصابة بمرض نفسي في مرحلة ما. وفي مسح علمي جاري القيام به، أشير إلى أن اضطرابات القلق هي أكثر أنواع الاضطرابات شيوعًا في جميع دول العالم ما عدا دولة واحدة، يليها اضطرابات المزاج وهي شائعة في جميع الدول ما عدا دولتان، في حين أن اضطرابات استخدام المواد واضطرابات السيطرة على الدوافع كانت الأقل انتشارًا على الدوام. وقد تباينت معدلات الانتشار حسب المنطقة. وعلى الرغم من ذلك، هناك اعتقاد سائد بأن مثل هذه الإحصائيات لا تعبر عن معدلات الانتشار الحقيقية، وذلك بسبب سوء التشخيص (وخاصةً في الدول التي لا يسهل فيها الحصول على خدمات الصحة النفسية) وانخفاض معدلات التبليغ عن الحالات، كما يرجع السبب جزئيًا إلى الاستخدام السائد لبيانات التقرير الذاتي بدلاً من أدوات القياس النفسي شبه المقننة. جدير بالذكر أن معدلات الانتشار الفعلية للاضطرابات النفسية يقدر أنها تتراوح بين 65% و85%.
وقد كشفت مراجعة لمسوح علمية عن اضطراب القلق في دول مختلفة أن هذا النوع من الاضطراب ينتشر بنسبة 16.6% على مدى الحياة، مع العلم أن معدلات الانتشار أعلى في المتوسط لدى النساء عن الرجال. كما كشفت مراجعة لمسوح علمية عن اضطراب المزاج في دول مختلفة أن معدل انتشار المرض هو 6.7% على مدى الحياة بالنسبة لاضطراب الاكتئاب الشديد (بل وبنسبة أعلى في بعض الدراسات ولدى النساء) و0.8% للاضطراب ثنائي القطب (النوع 1).
في الولايات المتحدة الأمريكية، فإن معدلات تكرار الاضطرابات هي كالتالي: اضطراب القلق (28.8%) أو اضطراب المزاج (20.8%) أو اضطراب السيطرة على الدوافع (24.8%) أو اضطراب استخدام المواد (14.6%).
كشفت دراسة مفصلة في أوروبا أجريت عام 2004 أن حوالي شخص من كل أربعة أشخاص تنطبق عليه أحد معايير الاضطرابات الموجودة في الدليل التشخيصي والإحصائي الرابع للاضطرابات النفسية في مرحلة ما من حياته، وقد تضمنت هذه الدراسة اضطرابات المزاج (13.9%) أو اضطرابات القلق (13.6%) أو اضطراب الكحول (5.2%). وقد انطبق معيار تشخيصي واحد على شخص من كل عشرة أشخاص تقريبًا في غضون 12 شهرًا. وقد ظهرت المزيد من حالات الاضطراب في النساء والشباب من كلا الجنسين. كما كشفت مراجعة أجريت عام 2005 لمجموعة من المسوح العلمية في 16 دولة أوروبية أن 27% من البالغين في هذه الدول يعانون من أحد أنواع الاضطراب النفسي على الأقل خلال فترة لا تتجاوز 12 شهرًا.
وفي مراجعة دولية لمجموعة من الدراسات العلمية عن انتشار مرض الفصام على مدى الحياة، وجد أن متوسط معدل انتشار هذا المرض هو 0.4%، وقد كانت هذه المعدلات منخفضة دائمًا في الدول الأكثر فقرًا.
جدير بالذكر أن الدراسات التي تناولت اضطرابات الشخصية محدودة العدد بل وأجريت على نطاق صغير، ولكن كشف مسح علمي نرويجي عن أن معدل انتشار هذا المرض على مدار خمس سنوات وصل تقريبًا إلى شخص من كل 7 أشخاص (13.4%). في حين أن معدلات انتشار اضطرابات معينة تراوحت بين 0.8% و2.8%، وقد اختلفت هذه النسبة باختلاف الدولة والجنس والمستوى التعليمي وعوامل أخرى. وقد جاءت نتيجة مسح علمي أمريكي قام مصادفةً بدراسة اضطراب الشخصية أن معدلات انتشار هذا النوع من الاضطراب في المجتمع الأمريكي هي 14.79%.
وفي دراسة إكلينيكية، تم إجراء تشخيص نفسي لعينة من الأطفال في سن ما قبل المدرسة بلغت حوالي 7%، وقد وجد أن حوالي 10% من الأطفال في عمر عام أو عامين الذين أجروا اختبار النمو يعانون من مشاكل انفعالية/سلوكية خطيرة استنادًا إلى ما جاء في تقارير الوالدين والأطباء.
في حين تتساوى معدلات انتشار الاضطرابات النفسية بين الرجال والنساء على حد سواء، فإن معدلات انتشار الاكتئاب في النساء ضعف معدلاته في الرجال. في كل عام تصاب 73 مليون امرأة بالاكتئاب الشديد، كما أن الانتحار يأتي في المرتبة السابعة كأحد أسباب موت النساء اللاتي تتراوح أعمارهن بين سن 20-59. تتسبب اضطرابات الاكتئاب في حوالي 41.9% من العجز الناتج عن الاضطرابات النفسية العصبية بين النساء، وذلك مقارنةً بنسبة 29.3% بين الرجال.

إدارة الاضطرابات النفسية

يتم تقديم العلاج والمساعدة للاضطرابات النفسية في مستشفيات الأمراض النفسية أو العيادات أو أية جهة من الجهات المتعددة التي تقدم خدمات الصحة النفسية المجتمعية. في كثير من دول العالم تعتمد الخدمات الصحية بشكل متزايد على نموذج الإنعاش والتحسين الذي يقصد منه دعم استقلالية كل فرد وحرية الاختيار والمضي في رحلة شخصية للحصول على حياة ذات معنى، ذلك على الرغم من إمكانية علاج المرضى ضد إرادتهم في حالات قليلة. وهناك مجموعة متنوعة من طرق العلاج، ولكن يعتمد تحديد الطريقة المثلى للعلاج على نوع الاضطراب وعلى الشخص المريض. وقد تم اكتشاف أن هناك أشياءً عديدة تساعد على الأقل بعض الأشخاص في الشفاء، كما يمكن أن يلعب أثر الدواء الوهمي دورًا مهمًا في أي تدخل طبي أو علاجي.

 العلاج النفسي

يعتبر العلاج النفسي خيارًا رئيسيًا لعلاج العديد من الاضطرابات النفسية. وهناك أنواع رئيسية عديدة من العلاج النفسي. وكثيرًا ما يستخدم العلاج السلوكي المعرفي لعلاج الاضطرابات النفسية، وهو يعتمد على تعديل أنماط التفكير والسلوك المرتبطة باضطراب معين. وقد كان التحليل النفسي، الذي يستهدف الصراعات وأساليب الدفاع النفسي الأساسية، مدرسة سائدة في العلاج النفسي وما زال قيد الاستخدام. هذا بالإضافة إلى استخدام العلاج المجموعي أو العلاج الأسري في بعض الأحيان وهما يتعاملان مع شبكة من الأشخاص الآخرين المؤثرين، وكذلك الفرد. وتعتمد بعض طرق العلاج النفسي على المنهج الإنساني. وهناك عدد من طرق العلاج المستخدمة في علاج اضطرابات نفسية معينة والتي يمكن أن تكون فروعًا أو مزيجًا من أنواع الاضطرابات السالف ذكرها. وكثيرًا ما يستخدم إخصائيو الصحة النفسية المنهج الانتقائي أو التكاملي في العلاج. ويمكن أن يعتمد الكثيرون على العلاقة العلاجية بين المعالج والمريض، وقد تكون هناك مشاكل مع الثقة والسرية والمشاركة.

 الأدوية

تعد أدوية الأمراض النفسية خيارًا رئيسيًا لعلاج العديد من الاضطرابات النفسية، وهناك مجموعات رئيسية متعددة منها. تستخدم الأدوية المضادة للاكتئاب في علاج الاكتئاب الإكلينيكي، كما أنها كثيرًا ما تستخدم في علاج اضطرابات القلق وغيرها من الاضطرابات. كما تستخدم مضادات القلق لعلاج اضطرابات القلق وما يصاحبها من مشاكل، مثل الأرق. وتستخدم مثبتات المزاج أساسًا في علاج الاضطراب ثنائي القطب. هذا علاوةً على أن مضادات الذهان تستخدم أساسًا لعلاج الاضطرابات الذهانية، وخصوصًا من أجل الأعراض الإيجابية لمرض الفصام. كذلك، يشيع استخدام المنبهات العصبية، وخاصةً من أجل علاج اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه.
وعلى الرغم من الأسماء التقليدية المختلفة لمجموعات الأدوية، فقد يكون هناك تداخل كبير في أنواع الاضطرابات التي من المفترض أنها تعالجها، كما يمكن أن يكون هناك ممارسة خارج نطاق الملصق للأدوية، بمعنى أن يتم استخدامها لعلاج أمراض غير المشار إليها في ملصقها. ويمكن أن تكون هناك مشاكل مع الآثار السلبية للأدوية والالتزام بتناولها، وهناك أيضًا انتقادات موجهة لأسلوب التسويق الدوائي وتضارب المصالح بين الإخصائيين النفسيين.
 طرق علاج أخرى
يستخدم العلاج بالصدمات الكهربائية في بعض الأحيان في علاج الحالات الحرجة عندما تفشل الأساليب الأخرى لعلاج الاكتئاب الشديد مستعصي العلاج. ويعتبر العلاج الجراحي النفسي أسلوب علاج تجريبي، ولكن يؤيده بعض أطباء الأعصاب في حالات نادرة محددة.
يمكن الاستعانة بأسلوب الإرشاد النفسي (إخصائي) والإرشاد المشترك (بين الأصدقاء) في علاج الاضطرابات النفسية. ويمكن أن تقدم برامج التثقيف النفسي معلومات مفيدة للناس تساعدهم في فهم وإدارة مشاكلهم. هذا بالإضافة إلى أنه في بعض الأحيان تستخدم أساليب العلاج الإبداعية، مثل العلاج بالموسيقى أو العلاج بالفن أو العلاج بالدراما. وكثيرًا ما يستخدم تغيير نمط الحياة بالإضافة إلى التدابير الداعمة في العلاج، والتي تتضمن دعم الأصدقاء أو مجموعات المساعدة الذاتية من أجل الصحة النفسية أو الإسكان المدعوم أو التوظيف المدعوم (بما في ذلك الشركات الاجتماعية). ويؤيد بعض الإخصائيين تعاطي ذوي الاضطرابات النفسية مكملات غذائية.

 المردود العلاجي المتوقع

يعتمد المردود العلاجي المتوقع على نوع الاضطراب وعلى الفرد وعوامل متعددة أخرى مرتبطة بالاضطراب. جدير بالذكر أن بعض الاضطرابات النفسية مؤقتة، بينما يمكن أن تستمر أنواع أخرى مدى الحياة. ويمكن أن تكون الآثار الوظيفية لبعض الاضطرابات محدودة للغاية، بينما يمكن أن تتضمن اضطرابات أخرى عجز كبير واحتياجات للدعم والمساندة. ويمكن أن تتفاوت درجة القدرة أو العجز في مجالات الحياة المختلفة. وقد تم ربط العجز المستمر بإيداع المرضى في مصحات الأمراض النفسية والعصبية والتمييز والاستبعاد الاجتماعي، وكذلك بالخصائص المتأصلة للاضطرابات.
حتى تلك الاضطرابات التي كثيرًا ما يتم اعتبارها الأكثر خطورة وصعوبة في الشفاء لها برامج علاجية مختلفة. فقد وجدت دراسات عالمية وطويلة المدى عن الفصام أن أكثر من نصف المرضى يتم شفاؤهم من أعراض المرض، وأن ما يتراوح بين 1/5 إلى 1/3 المرضى يتم شفاؤهم من الأعراض مع زوال تأثير المرض على وظائف الجسم، على أن البعض لا يحتاج إلى أدوية على الإطلاق. وفي الوقت نفسه، يعاني الكثيرون من صعوبات خطيرة والاحتياج إلى الدعم والمساندة لسنوات عديدة، ذلك على الرغم من أن الشفاء "المتأخر" ما زال ممكنًا. وقد أشارت منظمة الصحة العالمية إلى أن نتائج الدراسات طويلة المدى كانت تهدف مع دراسات أخرى إلى "تغيير اعتقاد المرضى ومقدمي الرعاية الصحية والإخصائيين الإكلينيكيين عن أن الاضطراب النفسي مرض مزمن لا يتم الشفاء منه - وهو ذلك الاعتقاد الذي سيطر على أسلوب التفكير خلال معظم القرن العشرين." جدير بالذكر أن ما يقرب من نصف المرضى الذين تم تشخيص حالتهم في البداية على أنها اضطراب ثنائي القطب يتم شفاؤهم من الأعراض (لم تعد تنطبق عليهم معايير التشخيص) في خلال ستة أسابيع، ويحقق جميع المرضى تقريبًا الشفاء من الأعراض في غضون عامين، على أن نصفهم تقريبًا يتمكن من استعادة وضعه المهني والاجتماعي الذي كان عليه قبل الإصابة بالمرض. ومع ذلك، فإن حوالي نصف المرضى تنتكس حالتهم ليدخلوا بذلك في مرحلة جديدة من الهوس أو الاكتئاب الشديد خلال العامين المقبلين. وقد وُجد أن الأداء الوظيفي للمريض يختلف من وقت إلى آخر؛ حيث يكون سيئًا خلال فترات المعاناة من الاكتئاب الشديد أو الهوس، ولكنه يتفاوت بين مقبول وجيد في الأوقات الأخرى، ومحتمل أن يصبح ممتازًا خلال فترات المعاناة من الهوس الخفيف في الاضطراب ثنائي القطب (النوع 2).
ترتبط بعض أنواع الاضطرابات النفسية، في المتوسط، بزيادة معدلات محاولات الانتحار الفاشلة و/أو الناجحة أو إيذاء النفس.
وعلى الرغم من أنه كثيرًا ما يتم نعت الاضطرابات النفسية بمسميات سلبية للغاية، فإن بعض الحالات النفسية التي تُوصف على أنها اضطرابات يمكن أن تتضمن أيضًا قدرات إبداعية فوق المستوى المتوسط أو عدم المسايرة (وعامل يمنح صاحبه عند توفره الأصالة والتفرد) أو الكدح من أجل تحقيق الهدف أو الدقة المتناهية أو المشاركة الوجدانية. وبالإضافة إلى ذلك، فإنه يمكن تغيير مفهوم عامة الناس عن مستوى العجز المرتبط بالاضطرابات النفسية.

تشخيص الاضطرابات النفسية

يسعى العديد من إخصائي الصحة النفسية، وخاصةً الأطباء النفسيين، إلى تشخيص حالات الأفراد من خلال التحقق من حالة الاضطراب النفسي التي يعانون منها. ويمكن أن يتجنب بعض الإخصائيين، مثلاً بعض مختصي علم النفس الإكلينيكي، تشخيص الحالة لصالح أساليب تقييم أخرى، مثل تكوين فكرة عن الصعوبات التي يواجهها المريض أو الظروف المحيطة بها.وفي الواقع، يتم تقييم غالبية مشاكل الصحة النفسية وعلاجها من قبِل أطباء الأسرَة خلال الاستشارات والذين يمكن أن يحيلوا المرضى إلى طبيب مختص من أجل تشخيص الحالات الحرجة أو المزمنة بشكل أدق. وتتضمن الممارسة التشخيصية الروتينية في خدمات الصحة النفسية بشكل أساسي إجراء مقابلة شخصية (التي يمكن الإشارة إليها على أنها فحص الحالة النفسية للمريض)؛ حيث يتم الحكم على حالة المريض بناءً على هيئته وسلوكه والأعراض التي يذكرها في التقرير الذاتي وتاريخه المرضي فيما يتعلق بالصحة النفسية وظروف الحياة الراهنة. ويمكن أخذ آراء الأقارب أو أطراف أخرى في الاعتبار عند تشخيص الحالة.  كما يمكن إجراء فحص جسدي للتأكد مما إذا كان الشخص يعاني من اعتلال صحي أو آثار جانبية لأدوية أو عقاقير أخرى. في بعض الأحيان، يتم إجراء الاختبار النفسي باستخدام الورقة والقلم أو في صورة استبيانات محفوظة على جهاز كمبيوتر والتي يمكن أن تتضمن خوارزميات تعتمد على وضع علامة أمام معايير التشخيص القياسية. وفي حالات متخصصة نادرة، يمكن طلب إجراء اختبارات التصوير العصبي، ولكن هذه الطرق أكثر شيوعًا في الدراسات البحثية عن الممارسات الإكلينيكية الروتينية. وكثيرًا ما يقيد الوقت والميزانية الأطباء النفسيين الممارسين من إجراء المزيد من التقييمات التشخيصية الشاملة. وقد وجد أن معظم الإخصائيين الإكلينيكيين يقومون بتقييم المرضى من خلال مناهج غير محددة البنية ومفتوحة النهاية، بالإضافة إلى عدم تدريبهم بشكل كاف على طرق التقييم القائم على البرهان وأن التشخيص غير الدقيق يمكن أن يكون شائعًا في الممارسة الروتينية. إن الأمراض النفسية التي تتضمن الهلاوس أو الأوهام (وخاصةً الفصام) عرضة لأن يحدث خطأ في تشخيصها في الدول النامية بسبب وجود أعراض ذهانية يرجع سببها إلى سوء التغذية. جدير بالذكر أن حدوث ما يعرف باسم التزامن المرضي أمر شائع جدًا في تشخيصات الأمراض النفسية، بمعنى أن يتم تشخيص حالة الشخص نفسه بأنها تندرج تحت أكثر من نوع من أنواع الاضطرابات.

أسباب الاضطرابات النفسية

يمكن أن تنشأ الاضطرابات النفسية عن مجموعة من المصادر. وفي العديد من الحالات، لا يوجد سبب واحد راسخ ومقبول تم إثبات صحته في الوقت الحالي. وهناك اعتقاد شائع حتى يومنا هذا عن أن الاضطرابات تنتج عن نقاط ضعف وراثية تكشفها عوامل الضغط البيئية. (انظر نموذج الاستعداد-الضغط). ومع ذلك، فإنه يتضح كثيرًا من تحليل إحصائي بسيط لمجموعة اضطرابات الصحة النفسية في الثقافات الغربية على الأقل أن هناك علاقة قوية بين الأشكال المتنوعة للاضطراب النفسي الحاد والمعقد في سن البلوغ وتعرض الأطفال لاعتداء أو إساءة معاملة (جسدية أو جنسية أو انفعالية) أو الإهمال خلال سنوات النمو. ويلعب الاعتداء الجنسي على الأطفال وحده دورًا مهمًا في أسباب حدوث نسبة كبيرة من جميع أنواع الاضطرابات النفسية لدى الإناث البالغات، وأبرز الأمثلة على ذلك هي اضطرابات الأكل واضطراب الشخصية الحدية.
يمكن الاستعانة بمزيج من النماذج الانتقائية أو التعددية لتوضيح اضطرابات محددة، ويقال إن النموذج الأساسي لطب الأمراض النفسية الغربي المعاصر هو النموذج الحيوي النفسي الاجتماعي (BPS)؛ حيث يقوم بدمج العوامل الحيوية والنفسية والاجتماعية، على الرغم من أن هذا لا يطبق دائمًا في الواقع العملي. اتجه الطب النفسي الحيوي إلى اتباع نموذج الطب الحيوي مع التركيز على علم الأمراض "العضوية" للمخ. وقد استمرت نظريات التحليل النفسي في التطور إلى جانب المداخل المعرفية السلوكية وأساليب العلاج الأسري المجموعي، وقد كانت رائجة ولكنها أصبحت أقل شيوعًا الآن. ويمكن استخدام علم النفس التطوري كنظرية تفسيرية شاملة، في حين أن نظرية التعلق هي نوع آخر من مناهج علم النفس التطوري التي يتم تطبيقها في بعض الأحيان في سياق الاضطرابات النفسية. وأحيانًا يتم التمييز بين "النموذج الطبي" أو "النموذج الاجتماعي" للاضطراب والعجز.
وقد أشارت الدراسات إلى أن الجينات كثيرًا ما تلعب دورًا مهمًا في الإصابة بالاضطرابات النفسية، ذلك على الرغم من صعوبة إثبات وجود ارتباط بين جينات معينة وفئات بعينها من الاضطرابات. ويذكر كذلك أن للأحداث البيئية المحيطة بفترة الحمل والولادة لها دخل أيضًا في الإصابة بالاضطرابات النفسية. ويمكن أن تزيد إصابات الدماغ الرضية من خطر الإصابة باضطرابات نفسية محددة. وقد تم اكتشاف أن هناك ارتباطًا غير مؤكد بين الاضطرابات النفسية وأنواع معينة من العدوى الفيروسية وإساءة استخدام العقاقير والصحة البدنية العامة.
هذا علاوةً على أن الخلل الوظيفي لمجموعة النواقل العصبية، والتي تتضمن السيروتونين والنوريبينفرين والدوبامين والجلوتامات يؤدي إلى الإصابة باضطرابات نفسية. كما تم اكتشاف اختلافات في حجم أو نشاط مناطق معينة في المخ في بعض الحالات، والتي يعزى إليها الإصابة بالاضطرابات النفسية. كما تتضمن أسباب الإصابة بالاضطرابات النفسية أيضًا الآليات النفسية، مثل العمليات المعرفية (أي الاستدلال) والعمليات الانفعالية والشخصية والمزاج وأسلوب التعامل مع الضغوط النفسية.
وقد تم اكتشاف أن المؤثرات الاجتماعية تلعب هي الأخرى دورًا مهمًا في الإصابة بالاضطرابات النفسية، ومن هذه المؤثرات إساءة المعاملة والاضطهاد والتجارب الحياتية السلبية أو الحياة الشاقة المليئة بالضغوط. ومع ذلك، فإن المخاطر المحددة والمسارات التي تؤدي إلى الإصابة باضطرابات ليست واضحة بالشكل الكافي. كما تضمنت أسباب الإصابة بالاضطرابات النفسية عوامل موجودة في المجتمع بشكلِ عام، مثل مشاكل التوظيف والظلم الاجتماعي والاقتصادي والافتقار إلى الترابط الاجتماعي ومشاكل مرتبطة بموضوع الهجرة وسمات مجتمعات وثقافات معينة.

أنواع الاضطرابات النفسية

توجد أنواع عديدة من الاضطرابات النفسية وهناك أيضًا جوانب عديدة مختلفة في السلوك البشري والسمات الشخصية التي يمكن أن تصبح مضطربة.
يمكن تصنيف القلق أو الخوف الذي يؤثر على السلوك السوي للفرد على أنه اضطراب القلق. جدير بالذكر أن الأنواع الشائعة والمعروفة من الاضطرابات النفسية تتضمن أنواعًا معينة من الفوبيا واضطراب القلق العام واضطراب القلق الاجتماعي واضطراب الهلع وفوبيا الأماكن الفسيحة المفتوحة واضطراب الوسواس القهري واضطراب ضغط ما بعد الصدمة.
يمكن أن تضطرب أيضًا عمليات نفسية وجدانية أخرى (العاطفة/الحالة المزاجية). وتعرف اضطرابات المزاج التي تنطوي على حزن شديد ومستمر غير معتاد أو سوداوية أو يأس باسم الاكتئاب الشديد أو الاكتئاب الإكلينيكي (نوع أخف، ولكن ما زال يمكن تشخيص الاكتئاب المستمر لفترة طويلة على أنه عسر مزاج). ويتضمن اضطراب المزاج ثنائي القطب (المعروف أيضًا باسم الاكتئاب الهوسي) حالات مزاجية "عالية" أو عصبية (تتميز بضغط الأفكار وسرعة في الكلام) بصورة غير طبيعية. وهذه الحالات تعرف باسم الهوس أو الهوس الخفيف، وهي تتناوب مع المزاج العادي أو المزاج المكتئب. في المؤلفات العلمية، لا يزال هناك جدال بشأن ما إذا كانت ظاهرتا الحالة المزاجية أحادية القطب وثنائية القطب تعدان فئتين منفصلتين من حالات الاضطراب أم تتحدان معًا لتندرجا تحت التصنيف البعدي أو الطيفي للحالات المزاجية.
يمكن أن تضطرب نماذج المعتقدات واستخدام اللغة والإدراك (مثل، الهواجس واضطراب الفكر والهلاوس). وتتضمن الاضطرابات الذهانية في هذا النوع من الاضطرابات الفصام (الشيزوفرينيا) والاضطراب الهذياني. ويعتبر الاضطراب الوجداني الفصامي نوع من أنواع الاضطرابات يطلق على الأشخاص الذين تظهر عليهم أعراض الفصام والاضطرابات الوجدانية. ويطلق مصطلح الشيزوتيبيا (schizotypy) على الأشخاص الذين تظهر عليهم بعض السمات المرتبطة بالفصام، ولكنها لم تصل معهم لحد المعايير المحددة للفصام.
الشخصية - السمات الأساسية للفرد التي تؤثر على أفكاره وسلوكياته في المواقف المختلفة ومع مرور الوقت - يمكن اعتبارها مضطربة إذا وجِد أنها صارمة وسيئة التكيف مع المجتمع بصورة غير طبيعية. تضع النظم التصنيفية أنواعًا متعددة من اضطرابات الشخصية والتي تتضمن الاضطرابات التي يصنف المصابون بها أحيانًا على أنهم غريبو الأطوار (مثل، اضطراب الشخصية الاضطهادية (البارانوية) واضطراب الشخصية الانعزالية واضطراب الشخصية فصامية النوع)، والاضطرابات التي يصنف المصابون بها في بعض الأحيان على أنهم أشخاص دراميون أو عاطفيون (اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع أو اضطراب الشخصية الحدية أو اضطراب الشخصية الهستيرية أو اضطراب الشخصية النرجسية) أو الاضطرابات التي يُنظر إليها على أنها ذات صلة بالخوف (اضطراب الشخصية التجنبية أو اضطراب الشخصية الاعتمادية أو اضطراب الشخصية الوسواسية القهرية). إذا بدأ الشعور بعدم القدرة على التكيف مع ظروف الحياة في غضون ثلاثة شهور من وقوع حادث أو موقف معين وانتهاء هذا الشعور في خلال ستة شهور بعد توقف العامل الضاغط أو التخلص منه، فيمكن تصنيف الحالة على أنها اضطراب التكيف. وهناك إجماع في الآراء على أن ما يسمى "اضطرابات الشخصية"، مثل سمات الشخصية بوجه عام، تتضمن في الواقع مزيجًا من السلوكيات المضطربة بشدة والتي تتبدد في وقت قصير والسمات المزاجية الخاصة بسوء التكيف التي تكون أكثر استقرارًا. علاوةً على ذلك، فإن هناك نظم غير تصنيفية تقوم بتقييم جميع الأفراد من خلال مجموعة من الأبعاد المختلفة للشخصية وليس من خلال نماذج محددة الملامح من أنماط الشخصية العادية، على سبيل المثال من خلال نظم التصنيف القائمة على السمات الخمسة الكبرى للشخصية.
تتضمن اضطرابات الأكل اهتمام غير طبيعي من الشخص بالطعام والوزن. ويندرج تحت هذا النوع من الاضطرابات أنواع أخرى عديدة، مثل اضطراب فقدان الشهية العصبي أو اضطراب الشره العصبي أو اضطراب الإفراط في ممارسة التمارين الرياضية أو اضطراب الإفراط في تناول الطعام.
في حين أن اضطرابات النوم، مثل الأرق تتضمن اضطراب في أنماط النوم العادية أو الشعور بالتعب على الرغم من أن النوم يبدو طبيعيًا.
هذا بالإضافة إلى إمكانية تشخيص الاضطرابات الجنسية واضطرابات الهوية الجنسية، والتي تتضمن ألم الجماع واضطراب الهوية الجنسية والشذوذ الجنسي غير المنسجم مع الأنا. إن أنواع الشذوذ الجنسي المختلفة يتم اعتبارها اضطرابات نفسية (الشعور بالإثارة الجنسية نحو الأشياء أو الأوضاع أو الأشخاص التي تعتبر شاذة أو ضارة للشخص نفسه أو للآخرين).
إن الأشخاص غير القادرين على نحوِ غير سوي على مقاومة دوافع معينة أو محفزات يمكن أن تكون ضارة لهم أو لغيرهم يمكن تصنيفهم على أنهم يعانون من اضطراب السيطرة على الدوافع، والذي يتضمن أنواعًا متعددة من الاضطرابات الحركية اللاإرادية، مثل متلازمة توريت وأنواع من الاضطرابات، مثل الكلبتومنيا (مرض السرقة) أو اضطراب هوس إشعال الحرائق. هذا بالإضافة إلى أنه توجد أنواع متعددة من الإدمان السلوكي، مثل إدمان القمار، التي يمكن تصنيفها على أنها اضطراب. كما يمكن أن يتضمن اضطراب الوسواس القهري أحيانًا عدم القدرة على مقاومة أفعال معينة، ولكن يتم تصنيفه بشكل منفصل على أنه في المقام الأول اضطراب قلق.
عندما يستمر تعاطي العقاقير (بشكل قانوني أو غير قانوني) على الرغم من وجود أضرار بالغة من الاستخدام يمكن تعريفه على أنه اضطراب نفسي ويسمى الاعتياد على المواد المخدرة أو تعاطي المواد المخدرة (فئة أكبر من سوء استخدام العقاقير). لا يستخدم الدليل التشخيصي والإحصائي للأمراض النفسية في الوقت الراهن مصطلح إدمان المخدرات ويتحدث التصنيف الدولي للأمراض ببساطة عن "التعاطي الضار". قد يكون الاستخدام المضطرب للمواد المخدرة راجع لنمط من الاستخدام القهري أو المتكرر للمخدر ينتج عنه تحمل لآثارها وأعراض انسحابها عندما يقل الاستخدام أو يتوقف.
إن الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات شديدة في الهوية الذاتية والذاكرة والوعي العام بأنفسهم وبالبيئة المحيطة بهم يمكن تصنيف حالتهم على أنهم يعانون من اضطراب الهوية الانفصالي، مثل اضطراب فقدان الشخصية أو اضطراب الهوية الانفصالي نفسه (الذي أطلق عليه أيضًا اضطراب تعدد الشخصية أو "انفصام الشخصية"). تتضمن اضطرابات الذاكرة أو الاضطرابات المعرفية الأخرى فقدان الذاكرة أو أنواع متعددة من خرف الشيخوخة.
يمكن تشخيص مجموعة من اضطرابات النمو التي تحدث ابتداءً في الطفولة والتي يمكن أن تستمر حتى سن البلوغ. من أمثلة هذه الاضطرابات اضطرابات الطيف التوحدي واضطراب العناد الشارد واضطراب السلوك واضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه (ADHD).
إذا استمر اضطراب السلوك حتى سن البلوغ، فإنه يمكن تشخيصه على أنه اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع (اضطراب الشخصية المستهينة بالمجتمع في التصنيف الدولي للأمراض ICD). جدير بالذكر أن التسميات الشائعة، مثل شخص سيكوباتي (أو معادي للمجتمع) لا تظهر في الدليل التشخيصي والإحصائي للأمراض النفسية أو التصنيف الدولي للأمراض، ولكنها مرتبطة إلى حدٍ ما بهذه التشخيصات.
إن الاضطرابات التي يبدو أنها عضوية، ولكنها نفسية المصدر، تُعرف باسم الاضطرابات الجسدية النفسية، والتي تتضمن اضطراب التجسيد واضطراب التحويل. وتوجد أيضًا اضطرابات في إدراك الجسد والتي تشمل اضطراب تشوه صورة الجسد. هذا علاوةَ على أن الوهن العصبي هو تشخيص قديم يتضمن شكاوى جسدية بالإضافة إلى التعب وانخفاض المعنويات/الاكتئاب، وهو اضطراب معترف به رسميًا في الإصدار العاشر من التصنيف الدولي للأمراض (ICD-10)، ولكنه لم يعد كذلك في الدليل التشخيصي والإحصائي الرابع للأمراض النفسية.
يتم تشخيص اضطرابات استحداث أعراض جسدية أو التمارض، مثل متلازمة مانشهاوزن عندما يُعتقد أن الأعراض مصطنعة (يقوم بها الشخص عن عمد) و/أو يتم التظاهر بها (تلفيقها) لتحقيق مكاسب شخصية.
هناك محاولات لتقديم فئة من الاضطرابات العلائقية حيث يركز التشخيص على العلاقة نفسها وليس على أي فرد في هذه العلاقة. وقد تكون هذه العلاقة قائمة بين الأطفال وآبائهم أو بين الأزواج أو غيرها من العلاقات. هذا وهناك تشخيص موجود بالفعل - يندرج تحت فئة الذهان - لداء الاضطراب الذهاني المشترك حيث يشترك شخصان أو أكثر في هاجس معين بسبب علاقتهم الحميمة مع بعضهم البعض.
من ناحية أخرى، يتم بين الحين والآخر اقتراح أنواع جديدة ومتعددة من تشخيصات الاضطرابات النفسية. ومن بين تلك الاضطرابات المثيرة للجدل من قبِل اللجان الرسمية للأدلة التشخيصية اضطراب الشخصية الانهزامية واضطراب الشخصية السادية واضطراب الشخصية السلبية العدوانية واضطراب ما قبل الطمث الاكتئابي.
كذلك، ظهر مؤخرًا اقتراحان منفصلان وفريدان من نوعهما يمكن ضمهما إلى أنواع الاضطرابات؛ وهما سولاستالجيا وهو الشعور بضيق نفسي بسبب حدوث تغيرات بيئية والذي قدمته "جلين ألبريشت" ومتلازمة الغطرسة التي قدمها "دافيد أوين". وقد تعرض تطبيق مفهوم المرض النفسي على الظاهرة التي وصفها هذان الكاتبان للنقد من قبِل "سيموس ماك سويبني".